الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} الحميم الماء السخن، والآن الشديد الحرارة، وقيل: الحاضر من قولك آن الشيء إذا حضر، والأول أظهر.{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} مقام ربه القيام بين يديه للحساب، ومنه: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} [المطففين: 6]، وقيل: الله بأعماله، ومنه: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33]، وقيل: معناه لمن خاف ربه واقحم المقام، كقولك: خفت جانب فلان، واختلف هل الجنتان لكل خائف على انفراده؟ أو للصنف الخائف وذلك مبنى على قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} هل يراد به واحد أو جماعة؟ وقال الزمخشري: إنما قال جنتان، لأنه خاطب الثقلين فكأنه قال حنة للإنس وجنة للجن، {ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} ثنى ذات هنا على الأصل لأن أصله ذوات، قاله ابن عطية، والأفنان جمع فنن وهو الغصن، أو جمع فن وهو الصنف من الفواكة وغيرها.{مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} أي نوعان {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} الجنا هو ما يجتنى من الثمار، ودان قريب، ورُوي أن الإنسان يجتنى الفاكهة في الجنة على أي حال كان؛ من قيام أو قعود أو اضطجاع؛ لأنها تتدلى له إذا أرادها وفي قوله: {وَجَنَى الجنتين} ضرب من ضروب التجنس.{قَاصِرَاتُ الطرف} ذكر في [الصافات: 48] {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} المعنى أنه أبكار، ولم يطمئن معناه لم يفتضهن، وقيل: الطمث الجماع سواء كان لبكر أو غيرها، ونفي أن يطمثهن إنس أو جان، مبالغة وقصدًا للعموم، فكأنه قال لم يطمثهن شيء، وقيل: أراد لم يطمث نساء الإنس إنس ولم يطمث نساء الجن جن، وهذا القول يفيد بأن الجن يدخلون الجنة ويتلذذون فيها بما يتلذذ البشر {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} شبه النساء بالياقوت والمرجان في الحمرة والجمال، وقد ذكرنا المرجان في أول السورة.{هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} المعنى أن جزاء من أحسن بطاعة الله أن يحسن الله إليه بالجنة، ويحتمل أن يكون الإحسان هنا هو الذي سأل عنه جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وذلك هو مقام المراقبة والمشاهدة، فجعل جزاء ذلك الإحسان بهاتين الجنتين، ويقوي هذا أنه جعل هاتين الجنتين الموصوفتين هنا لأهل المقام العلي، وجعل جنتين دونها لمن كان دون ذلك، فالجنتان المذكورتان أولًا للسابقين، والجنتان المذكورتين ثانيًا بعد ذلك لأصحاب اليمين حسبما ورد في الواقعة، وانظر كيف جعل أوصاف هاتين الجنتين، أعلى من أوصاف الجنتين اللتين بعدهما فقال هنا: عينان تجريان وقال في الآخرتين: عينان نضَّاحتان، والجري أشد من النضح وقال هنالك: من كل فاكهة زوجان، وقال هنا فاكهة ونخل ورمان، وكذلك صفة الحور هنا أبلغ من صفتها هنالك، وكذلك صفة البسط ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنتيهما وكل ما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وكل ما فيهما».{مُدْهَآمَّتَانِ} أي تضربان إلى السواد من شدة الخضرة.{عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} أي تفوران بالماء والنضخ بالخاء المعجمة أشد من النضح بالحاء المهملة.{فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} خص النخل والرمان بالذكر بعد دخولهما في الفاكهة تشريفًا لهما، وبيانًا لفضلهما على سائر الفواكه. وهذا هو التجريد.{خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} خيرات جمع خيرة وقال الزمخشري وغيره: أصله خيرات بالتشديد ثم خفف كمْيت وقرئ بالتتشديد، قالت أم سلمة «يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى: {خيرات حسان} قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه».{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} الحور جمع الحَوراء: والمقصورات المحجوبات، لأن النساء يمدحن بملازمة البيوت ويذممن بكثرة الخروج، والخيام هي البيوت التي من الخشب والحشيش ونحو ذلك، وخيام الجنة من اللؤلؤ.{مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ} الرفرف البسط، وقيل الوسائد وقيل رياض الجنة {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} العبقري الطنافس، وقيل الزرابي وقيل الديباج الغليظ، وهو منسوب إلى عبقري وتزعم العرب أنه بلد الجن فإذا أعجبتها شيء نسبته إليه.{تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} ذكر تبارك في الفرقان وغيرها، والاسم هنا يراد به المسمى على الأظهر، وقرأ الجمهور {ذي الجلال} بالياء صفة لربك، وقرأ ابن عامر بالواو صفة للاسم، وقد ذكر معنى {ذي الجلال والإكرام}. اهـ.
{المُنْشَآتُ} المرفوعات الشرع، أو المصنوعات وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع، أو اللاتي ينشئن الأمواج أو السير. {فِى البحر كالأعلام} كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل.{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} من خلق مواد السفن والإِرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره.{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} من على الأرض من الحيوانات أو المركبات و{مِنْ} للتغليب، أو من الثقلين. {فَانٍ ويبقى وَجْهُ رَبّكَ} ذاته ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها إلا وجه الله أي الوجه الذي يلي جهته. {ذُو الجلال والإكرام} ذو الاستغناء المطلق والفضل العام.{فَبِأَىّ ءَالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي مما ذكرنا قبل من بقاء الرب وإبقاء ما لا يحصى مما هو على صدد الفناء رحمة وفضلًا، أو مما يترتب على فناء الكل من الإِعادة والحياة الدائمة والنعيم المقيم.{يَسْأَلُهُ مَن في السموات والأرض} فَإِنَهم مفتقرون إليه في ذواتهم وصفاتهم وسائر ما يهمهم، ويعن لهم المراد بالسؤال ما يدل على الحاجة إلى تحصيل الشيء في ذواتهم وصفاتهم نطقًا كان أو غيره. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} كل وقت يحدث أشخاصًا ويحدد أحوالًا على ما سبق به قضاؤه، وفي الحديث: «من شأنه أن يغفر ذنبًا ويفرج كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين» وهو رد لقول اليهود إن الله لا يقضي يوم السبت شيئًا.
|